تقدم عشرة نواب تونسيين بمشروع قانون يتعلق بإنشاء الجمعيات وتمويلها في البلاد، في خطوة أثارت غضب منظمات حقوقية محلية ودولية، فضلا عن مخاوف من التضييق على المجتمع المدني في تونس، خصوصا وأن بعض الجمعيات التي تهتم بالصناعات التقليدية تموّل من الخارج.
جمعية “شانتي” الناشطة في مجال الحرف تتخوف من فصول القانون.
أثار مشروع قانون ينظم تأسيس الجمعيات وتمويلها، جدلا واسعا في تونس المتعثرة اقتصاديا، حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.
وسيتيح القانون الذي اقترحه نواب تونسيون داعمون للرئيس قيس سعيّد لوزارة الشؤون الخارجية منح التراخيص للمنظمات والجمعيات ومراقبة تمويلاتها.
ويتوقع أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقر في سبتمبر 2011 وسمح بإنشاء حوالي 25 ألف منظمة وجمعية إثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن نشاط العديد منها أثار الريبة، حيث ترددت كثيرا في السنوات التي تلت ثورة 2011 اتهامات لبعضها بتمويل الإرهاب والقيام بأنشطة دعوية تحت غطاء العمل الجمعياتي، خاصة أن تلك الفترة شهدت عدة عمليات تسفير للشباب التونسي إلى بؤر التوتر على غرار سوريا والعراق، فيما تنشط العديد من الجماعات الإرهابية في الجبال التونسية.
فاطمة المسدي: المشروع ينظم العمل الجمعياتي ويهدف إلى إرساء دولة القانون
فاطمة المسدي: المشروع ينظم العمل الجمعياتي ويهدف إلى إرساء دولة القانون
وطالما هاجم الرئيس قيس سعيد، في مناسبات عدة، نشاط بعض الجمعيات الذي وصفه بالـ”المشبوه” واعتبرها امتداد “لأطراف خارجية” في تونس خصوصا في ما يتعلق بالتمويل.
وتعرّض الرئيس سعيّد خلال لقاء جمعه بوزيرة العدل ليلى جفّال، في ديسمبر الماضي، إلى شبهات تمويل عدد من الجمعيات، قائلاً إنه “ليس تضييقاً على الجمعيات أو المجتمع المدني، لكنها (الجمعيات) كانت امتداداً للأحزاب وللمخابرات الأجنبية”، مضيفاً أن “هؤلاء استباحوا الدولة ولا بد من وضع حد لهذا الوضع، ولا بد للقضاء أن يلعب دوره في البلاد”.
وأكد أنه “لا يمكن أن نطهّر البلاد بمثل هذه المؤسسات ونترك هؤلاء المجرمين يعبثون بمقدرات الشعب التونسي”، في إشارة إلى بعض الجمعيات المدعومة من الخارج.
من جهتها اعتبرت النائبة فاطمة المسدي في تصريح صحفي في ديسمبر الماضي، أن “هذا المشروع على عكس ما يحاول البعض ترويجه عنه من مغالطات، فهو ينظم العمل الجمعياتي بتونس، ويهدف إلى إرساء دولة القانون”. وأضافت أن “الدولة التي انتظرناها بعد الـ25 من يوليو 2021 تحارب الإرهاب وتبييض الأموال”.
واعتبرت المسدي أن “مشروع القانون يمكّن من التحكم في “حنفية الأموال المشبوهة التي تدخل من طريق بعض الجمعيات التي تكونت بعد يناير 2011″، مضيفة أن “التجربة أثبتت أن بعض الجمعيات تسعى إلى ضرب قيم الدولة التونسية في الأعماق وحان الوقت لمراقبة طرق تمويلها”.
وفي المقابل، هناك أوساط جمعياتية وسياسية تحذر من أن تخلق محاولات ضبط المشهد الجمعياتي “المنفلت” في تونس نوعا من التضييق على مكونات المجتمع المدني، حيث أثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.
وبحسب دراسة قامت بها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فإنه من الممكن أن تفقد تونس مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به، في حال تم القبول بهذا القانون الجديد الذي يحد من الموارد المالية.
وأضافت الرابطة أنه من الممكن أيضا أن تخسر تونس حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر ومئة ألف فرصة عمل غير مباشرة، وهو ما سيزيد من حالة الركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ نهاية 2023، علاوة عن نسبة البطالة التي تتجاوز 16 في المئة وحتى 40 في المئة بين الشباب.
ويرى بعض المراقبين في تونس أن الهدف من هذا القانون هو التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية.
من جهته، دعا مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي، كليمان نياليتسوسي إلى اعتبار “مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها”، مؤكدا أن نظام “التراخيص المسبقة الجديد لإنشاء الجمعيات يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها رفض الترخيص لإنشاء جمعية.
كما دعا إلى ضرورة فتح حوار مع المجتمع المدني قبل إقرار القانون الجديد وتشريك مختلف مكوناته في تعديل قانون 88 لسنة 2011.
مشروع القانون يمكّن من التحكم في حنفية الأموال المشبوهة التي تدخل من طريق بعض الجمعيات التي تكونت بعد يناير 2011
ويقول مهدي البكوش مدير “شانتي” التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية، “نحن حذرون بشأن ما سيحدث”، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.
وبالإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية حيث تباع منتجات 60 حرفيًا (من السجاد والفخار والأثاث)، توظف جمعية “شانتي” نحو “22 عاملا بدوام كامل” و”ندعم حوالي مئة مشروع” في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.
ويوضح البكوش لوكالة الصحافة الفرنسية “من المهم الحفاظ على مكسب الحريات الذي حققته الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي”، مؤكدا أنه منفتح على تنظيم القطاع ولكن في إطار “حوار متواصل” مع السلطات.
ويرى أن تطوير قطاع الجمعيات “يوفر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بشكل مباشر” في حياتهم اليومية.
وقانون تشكيل الجمعيات الحالي والذي يقوم على أساس إخطار السلطات، يتيح مراقبة “أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم” من خلال نشاطها، بحسب المسؤول.
وكان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011 وخصوصا خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.
والموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) وتوجه أساسا لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.