الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية تشجب تراجع حقوق الإنسان في تونس عقب اختتام زيارة مدتها أربعة أيام

قامت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، بزيارة إلى تونس مدتها أربعة أيام، التقت خلالها بمدافعين عن حقوق الإنسان، وممثلين من المجتمع المدني، وجمعية القضاة التونسيين، ومحامين، وأحزاب سياسية، وصحفيين، وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وأسر أشخاص محتجزين تعسفيًا. وعقب اختتام زيارتها، قالت الأمينة العامة:

“إنه لمن المفزع والمحزن مشاهدة التراجع الهائل للتقدم الذي أحرزته تونس على صعيد حقوق الإنسان منذ ثورة عام 2011. وبعد مرور ثلاث سنوات على إقدام الرئيس قيس سعيد على تعليق عمل البرلمان وبدء السيطرة على الدولة، تصبح الانتهاكات التي اعتقدنا أنها باتت جزءًا من ماضي تونس واضحة وممنهجة أكثر فأكثر”.

“لقد جرى إخضاع مؤسسة القضاء، في حين أن الاعتقالات والملاحقات القضائية التعسفية تتضاعف، وتطال قادة المعارضة السياسية، والصحفيين، والنشطاء، والمحامين، والقضاة، والنقابيين، وأصحاب الأعمال، والموظفين العموميين، والقاضيات والناشطات، والمهاجرين، واللاجئين. وقد أخبرني الأشخاص الذين لم يتأثروا مباشرة حتى الآن بأنهم يخشون من إمكانية تقييد حريتهم في أي وقت”.

“وتزامنت زيارتي لتونس مع الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية مباشرة. وبدلًا من الحوارات النابضة بالحياة لمشهد سياسي تعددي، لاحظت وجود قمع حكومي يغذي الخوف والهلع مما سيأتي. فالعديد من قادة المعارضة السياسية ومنتقدي الحكومة هم قيد الاحتجاز التعسفي، ويواجه مرشحو الانتخابات الرئاسية قيودًا وملاحقات قضائية، وقد حُكم على العديد من الصحفيين والمعلّقين بالسجن، ويتعرّض المجتمع المدني لخطر مزيد من القمع”.

إنه لمن المفزع والمحزن مشاهدة التراجع الهائل للتقدم الذي أحرزته تونس على صعيد حقوق الإنسان منذ ثورة عام 2011.الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار

“ويُحتجَز معظم قادة أحزاب المعارضة رهن الإيقاف التحفظي، ومنهم عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، وجوهر بن مبارك أحد قادة جبهة الخلاص الوطني، وعبير موسي الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر، والعديد من قادة حزب النهضة من أمثال راشد الغنوشي، ونور الدين البحيري، والصحبي عتيق وسواهم. ويواجه جميعهم سلسلة من الاتهامات، من ضمنها بعض التهم المجرّمة بموجب قانون مكافحة الإرهاب في تونس، التي تحمل في طياتها عقوبات شديدة. وتوضح هذه الملاحقات القضائية، في إطار حملة قمع الحقوق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي، عدم تسامح السلطات إزاء أي تحدٍ أو معارضة”.

“لقد وثّقت منظمة العفو الدولية الخطوات الصارمة التي اتخذتها السلطات لتقويض استقلالية القضاء منذ 25 جويلية/تموز 2021. ولقد شهدت طوال زيارتي كيف تأثرت الحقوق في محاكمة عادلة، وحرية التعبير، والتجمع السلمي بشكل مباشر”.

“وفي حين أن السلطات تزيد من حدة حملة القمع التي تشنها، يواصل مدافعون عن حقوق الإنسان مثل القاضي أنس الحمادي، رئيس جمعية القضاة التونسيين، وزملائه الدفاع عن ضمانات الاستقلالية المكتسبة بشق الأنفس. وهم يفعلون ذلك على الرغم من أنهم يواجهون عمليات انتقام في صيغة تهم جنائية، مثل تلك التي وُجّهت إلى القاضي الحمادي على خلفية إضراب للقضاة احتجاجًا على إقدام رئيس الجمهورية على الإقالة التعسفية لـ 57 قاضيًا ووكيلًا للجمهورية”.

“وكان الحدث الأبرز في زيارتي هو لقاء القضاة المستقلين الذين يرفضون المساومة، بينما يكافح المحامون بلا كلل ضد الملاحقات القضائية التعسفية التي يتعرّض لها الخصوم السياسيون، في حين أن الأفراد الشجعان من أسر المحتجزين يقودون النضال من أجل إطلاق سراحهم”.

“كذلك ترتكب السلطات التونسية انتهاكات مروعة ضد المهاجرين واللاجئين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى تتسم بخطاب عنصري يصدر عن أرفع مستويات الدولة، وتطبيع عمليات الترحيل الجماعي عند الحدود، وعمليات الاعتراض العنيفة في البحر، والاعتقالات المستندة إلى التصنيف العرقي. وفي الآونة الأخيرة، واجه أيضًا أولئك الذين يمدون يد العون للمهاجرين أو يدافعون عن حقوقهم عبر عملهم في منظمات المجتمع المدني تحقيقات تعسفية، وفي بعض الحالات، عمليات اعتقال واحتجاز”.

“ومن خلال اللامبالاة الفجة التي يبديها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بشأن الالتزامات المترتبة عليهم بموجب القانون الدولي، فإنهم يُضفون بلا خجل مظهرًا خادعًا من الشرعية على القمع الذي تمارسه هذه الحكومة باسم الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب. وتقتضي هذه الالتزامات من القادة الأوروبيين التصدي لهجوم السلطات التونسية على الحقوق والحريات، لكنهم بدلًا من ذلك أبرموا صفقة لتمويل عملية احتواء تونس للمهاجرين واللاجئين، وسط موجة من العنصرية العنيفة”.

وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات التونسية إلى:

– إسقاط التهم التي لا أساس لها الموجّهة إلى المعارضين والمنتقدين، والإفراج عن أولئك الذين احتُجزوا تعسفًا لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية

– إلغاء كافة التدابير المتخذة لتقويض استقلالية القضاء، بما في ذلك إلغاء المرسوم عدد 35 لسنة 2022 الذي يمنح الرئيس سلطة إقالة القضاة بإجراءات موجزة؛ وتنفيذ قرار المحكمة الإدارية الصادر في 9 أوت/آب 2022 وإعادة القضاة وأعضاء النيابة الـ 57 الذين أقالهم الرئيس تعسفيًا إلى المناصب التي كانوا يشغلونها؛ ووقف كافة تدخلات السلطة التنفيذية في المسائل المتعلقة باستقلالية القضاء؛ ووضع حد لجميع أشكال المضايقة أو الانتقام المتخذة ضد القضاة والمحامين التونسيين

– إلغاء المرسوم الرئاسي عدد 54 لسنة 2022، وإطلاق سراح جميع الذين تعرّضوا للمقاضاة والاحتجاز لمجرد ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. وينبغي للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء إعادة تقييم شراكتهم مع السلطات التونسية بما يكفل ألا يُفضي التعاون إلى التواطؤ في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين، أو اللاجئين، أو خصوم الحكومة، بل إلى الإسهام في إحراز تقدم باتجاه واجبات تونس على صعيد حقوق الإنسان.

من خلال اللامبالاة الفجة التي يبديها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بشأن الالتزامات المترتبة عليهم بموجب القانون الدولي، فإنهم يُضفون بلا خجل مظهرًا خادعًا من الشرعية على القمع الذي تمارسه هذه الحكومة.الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار

لم تردّ السلطات التونسية على الطلبات التي قُدّمت إليها لعقد اجتماعات مع وفد منظمة العفو الدولية الذي ترأسته أنياس كالامار خلال الزيارة التي قامت بها من 16 إلى 19 جويلية/تموز.

خلفية

بعد مرور ثلاث سنوات على استحواذ الرئيس قيس سعيد على السلطة في 25 جويلية/تموز 2021، تظل تونس تشهد تراجعًا ملموسًا في التقدم الذي أحرزته في مجال حقوق الإنسان في أعقاب ثورة 2011.

ومنذ عام 2022، شنت السلطات موجات متعاقبة من الاعتقالات استهدفت الخصوم السياسيين والمنتقدين المتصوَّرين للرئيس سعيد. وقد تعرّض ما يزيد على 70 شخصًا، من ضمنهم الخصوم السياسيون، والمحامون، والصحفيون ، والنشطاء، والمدافعون عن حقوق الإنسان للملاحقات القضائية التعسفية أو للاحتجاز التعسفي أو كليهما منذ نهاية عام 2022، ويظل ما لا يقل عن 40 شخصًا رهن الاعتقال التعسفي اعتبارًا من ماي/أيار 2024 بشأن ممارستهم لحقوقهم المحمية دوليًا مثل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. وفي ماي/أيار 2024 صعّدت السلطات التدابير القمعية ضد المهاجرين، واللاجئين، والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون على حماية حقوقهم.

وفي جويلية/تموز 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم مع تونس وافق بموجبها – من جملة أمور أخرى – على تقديم دعم فني لردع الهجرة نحو أوروبا، ومن ضمنها مبلغ 105 ملايين يورو مع تركيز على “إدارة الحدود” علاوة على قرابة مليار يورو في صورة قروض إضافية ودعم مالي في خضم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها تونس. ولا تزال هذه الصفقة، التي افتقرت إلى الشفافية أو التدقيق البرلماني، سارية المفعول. وقد بعثت منظمة العفو الدولية برسائل إلى قيادة الاتحاد الأوروبي مرارًا وتكرارًا، أثارت فيها بواعث قلق إزاء تداعيات التعاون مع تونس بدون تقييم مسبق لمخاطره على حقوق الإنسان.