التقرير السنوي حول الحقوق والحريات: انتكاسة.. وأكثر من نصف التونسيين مصنفون فقراء

العدوان الإسرائيلي على غزة وإرهاب الدولة الذي يواجهه الشعب والمقاومة الفلسطينيين منذ الـ7 من شهر أكتوبر الماضي، كانت حاضرة في مختلف التدخلات التي سجلتها أمس تظاهرة الرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان بمناسبة احتفائها بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واتفق الجميع على أن العالم يشهد تراجعا في الحقوق والحريات وأن المبادئ الكونية الصادرة في الصكوك والمعاهدات تعرف انتهاكات في مختلف دول العالم.
واعتبر بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان أن هذه المناسبة بقدر ما هي فرصة للتأمل في مستوى التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان فهي أيضا إطار للنظر في الانتكاسات والانحرافات واستخلاص العبر والسبل لتعزيز المكتسبات وتجاوز العقبات والتآزر والتكاتف من أجل الدفاع على كرامة الإنسان. وأشار إلى أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو مناسبة ليرفع كل المدافعين عن حقوق الإنسان والمناضلين والمناضلات أصواتهم عاليا للتعبير عن استنكارهم الشديد واحتجاجهم على حجم الانتهاكات والعدوان وتدهور الوضع في فلسطين وخاصة في غزة.
أما بالنسبة للشأن الوطني التونسي فوصف بسام الطريفي الوضع بـ”المعقد” والحامل لعدة تحديات، “استأثر خلالها رئيس الجمهورية بكل السلطات والمؤسسات وواصلت على امتدادها السلطة التنفيذية محاولاتها إخضاع القضاء وجعله عصا لضرب خصومها ومعارضيها”.
وقال رئيس الرابطة للدفاع على حقوق الإنسان : “إن المدة الأخيرة قد شهدت تواصل تصاعد أشكال الضغط على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، حيث تكثفت الإيقافات ضد الناشطين السياسيين والمدنيين والمعارضين في وقت غابت فيه أبسط شروط المحاكمة العادلة وتم خلالها الدوس على حقوقهم الأساسية ورافقتها في أغلب الأحيان حملات تخوين وتحريض ضد أي نفس معارض”، وأضاف أن التتبعات وأحكام السجن قد طالت أيضا “صحفيين وجاءت على خلفية عملهم الصحفي”.
ويأتي هذا التراجع في مستوى الحريات، حسب بسام الطريفي بالتوازي مع أزمة اقتصادية تفاقمت ووصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من ارتفاع جنوني للأسعار وفقدان للمواد الحياتية وتدهور للخدمات العمومية الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وسط غياب أي سياسة واضحة وعقلانية لمعالجتها.
وتم أمس تأجيل التوقيع على بروتوكول تفعيل الحق في الفحص الطبي للمحتفظ بهم وبهن المضمن بالقانون عدد 5، وذلك لعدم تجاوب الوزارات المعنية، وزارة العدل ووزارة الصحة ووزارة الداخلية، مع مختلف مراسلات الرابطة وشركائها من منظمات المجتمع المدني.
وهو موقف رجا محي الدين بلاغة كاتب عام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن يتم تجاوزه. وذكر أحمد علوي مسؤول حقوق الإنسان بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان إن توقيع البروتوكول مسألة في غاية الأهمية باعتبار أن القانون عدد 5 يعتبر ثورة في إطار الإصلاحات المسجلة لفائدة الأشخاص المحتفظ بهم، إن كان عبر حضور محامي منذ اللحظة الأولى للإيقاف. فضلا عن ضرورة عرض الشخص الموقوف على الفحص الطبي لضمان عدم تعرضه لأي نوع من التعذيب أو المعاملة المسيئة أو الاعتداء الجسدي. وبالتالي فالبروتوكول يضمن للشخص الموقوف حقوقه وفي نفس الوقت فيه ضمان أيضا لأعوان إنفاذ القانون عند فتح تحقيقات في الانتهاك. وقال في نفس السياق أن الانتهاكات موجودة على مستوى الإيقاف ويتم رصدها سواء من قبل هيئة مناهضة التعذيب أو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أو المفوضة السامية لحقوق الإنسان.
وكشف جلال التليلي الباحث في علم الاجتماع والمشرف على إعداد التقرير السنوي حول الحقوق والحريات، أن السنة الأخيرة قد سجلت انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان، وعرفت البلاد أزمة سياسية ألقت بظلالها على واقع الحريات والحقوق.
وبين التليلي أن ما سجلته السنة الأخيرة من انتهاكات طالت الحقوق المدنية ووضعية الحقوق السياسية، وأساسا الحق في النشاط المدني والخطر المحدق بالمرسوم 88 والحق في الحياة وتواصل أحكام الإعدام والحق في محاكمة عادلة والوقاية من التعذيب حيث تم رصد جملة من الوفيات المشبوهة في مراكز الاحتجاز مثلت 8% من الحالات المسجلة وسوء المعاملة مثلت 48% والمعاملة السيئة من قبل الأجهزة الأمنية وتمثل 18% من الحالات المرصودة وكان من بينها الشخصيات السياسية والمعارضين الذين طالتهم متابعات في الأشهر الأخيرة.
وشملت حسب نفس التقرير الانتهاكات حرية الرأي والتعبير والحق في إعلام مستقل والحق في العمل اللائق والكرامة الإنسانية، حتى انه طبقا لمؤشر الفقر متعدد الأبعاد أكثر من نصف التونسيين يصنفون اليوم كفقراء، والحق في التربية والتعليم والحق في بيئة سليمة…
وسجلت السنة تفاقم للعنف المسجل على النساء وتشجيع الإفلات من العقاب وتضييق على أصحاب وصاحبات الميولات الجنسانية، كما عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين والمهاجرات وصلت حد تهديد حياتهم وسلامتهم الجسدية.. كما عادت مع السنة الماضية الصنصرة أين تم منع تداول كتابين اثنين.
واعتبر جلال التليلي أننا نعيش هشاشة حقيقية لمكتسبات الحقوق والحريات، وبين أن مختلف المؤشرات المذكورة والمسجلة خلال السنة الماضية لا تدل على توجه نحو تحسن في الحقوق والحريات بل أنها تعكس تمادي السلطة في انتهاكاتها وهو ما يتطلب وقفة من مختلف الفاعلين والمدافعين عن الحقوق والحريات وتوحيد لمكونات المجتمع المدني والسياسية باعتبارها آخر القلاع المدافعة على الحقوق والحريات في شموليتها وكونيتها.
في مسيرة الحقوق والحريات: دعوة إلى إلغاء المرسوم 54 ..
لم تثن الأمطار الغزيرة أمس، انطلاقة مسيرة الحقوق والحريات من ساحة حقوق الإنسان باتجاه ساحة ابن خلدون، وبحضور متنوع جمع وجوه سياسية معارضة وعائلات الموقوفين السياسيين وممثلين عن مختلف منظمات المجتمع المدني وعن الحركات الشبابية والمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان.
مسيرة دق خلالها المحتجون طبول الغضب والاستياء وعرفت تواجدا مكثفا للشعارات المنددة بالعدوان الإسرائيلي وما تعرفه الأراضي الفلسطينية من انتهاكات صارخة لجميع الحقوق والحريّات التي تصنف كجرائم حرب. وتم عبرها تجديد مطالبة الرئيس ومجلس نواب الشعب بتجريم التطبيع وتنفيذ الشعارات التي يتم رفعها من قبلهم في شكل قوانين وقرارات.
ودعا المحتجون والمحتجات إلى إلغاء المرسوم 54 لما خلفه من “انتهاكات صارمة للحقوق والحريات”، وفق المتظاهرين.
وعبر نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق النساء..، عن غضبهم من التراجع المسجل في الحريات والحقوق، وطالبوا بمجتمع يدافع عن المساواة والتنوع والاختلاف ويضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
ريم سوودي